السبت, سبتمبر 13, 2025
الرئيسيةالعالمواشنطن بين الخداع السياسي وتكتيك "النهايات المفتوحة" في أزمات الشرق الأوسط

واشنطن بين الخداع السياسي وتكتيك “النهايات المفتوحة” في أزمات الشرق الأوسط

من قطاع غزة إلى دمشق، مرورًا ببيروت وطهران، تواصل الولايات المتحدة تبني سياسة “الخداع الممنهج”، التي رسّخها وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، ثم واصلتها إدارة بايدن بأدوات لا تقل حدة. تتمثل ركائز هذه اللعبة في استخدام سياسة “النهايات المفتوحة” كمنهجية في التعاطي مع أزمات المنطقة، من بحر قزوين حتى شرق المتوسط، مستخدمة أساليب تتراوح بين التضليل، وإنكار الحقائق، والتراجع عن التزاماتها الدولية، مع تجاهل سافر للقانون الدولي وحقوق الإنسان.

غزة: تنكر دائم واتساق مع الرواية الإسرائيلية
في قطاع غزة، قدمت إدارتا ترامب وبايدن نموذجًا صارخًا في التهرب من الاتفاقيات التي بادرت واشنطن نفسها إلى إبرامها. فبعد كل تصعيد، تعود الولايات المتحدة لتبني الرواية الإسرائيلية بالكامل، دون تقديم رؤية واضحة لمستقبل غزة وفلسطين بعد الحرب. كل ما نعرفه هو ما لا تريده واشنطن، أما ما تريده فعليًا فلا يزال غامضًا. إذ لم تنطق واشنطن قط، في عهد ترامب، بعبارة “حل الدولتين”، كما وقفت ضد مؤتمر نيويورك الذي دعت إليه السعودية وفرنسا، بل وضغطت على عدد من الدول لعدم المشاركة فيه، واتهمت كل من أعلن نيته الاعتراف بدولة فلسطينية.

لكنها، بالمقابل، لم توضح موقفها من حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير وبناء دولتهم. فوفقاً للرؤية الصهيونية المتطرفة، يتم تصوير الفلسطينيين كـ”شعب زائد”، بينما الحقيقة هي وجود “دولة ناقصة” تبحث عن الاعتراف والاكتمال.

الوساطة المنحازة في التهدئة
لم تتقمص واشنطن يومًا دور الوسيط النزيه في مفاوضات التهدئة ووقف إطلاق النار، بل لعبت دور الخصم الأشد تطرفًا من إسرائيل ذاتها. وانسحابها من الجولة الأخيرة من المفاوضات يُعد تجسيدًا لسياسة الخداع التي تنتهجها، إذ تنسحب بعد بث أجواء إيجابية، ثم تحمل حركة حماس مسؤولية الفشل، رغم وجود تقارير مغايرة من الوسطاء العرب. خرج الرئيس الأميركي ملوحًا بالتهديدات، تاركًا لنتنياهو القرار، قبل أن تعود الإدارة لتتحدث عن تقدم مفاجئ (ماركو روبيو) وعودة للمفاوضات (ستيف ويتكوف)، في تقلب لا يليق إلا بلعبة الخداع.

لبنان: التهديد بدل الضمانات
في لبنان، لا يختلف المشهد كثيرًا. فبعد أن لعبت واشنطن دور الوسيط في إنهاء الحرب، وترأست اللجنة الخماسية للمتابعة، ها هي اليوم تعود لتضغط على لبنان تحت تهديدات مباشرة، مطالبة بنزع سلاح المقاومة دون تقديم أي ضمانات مقابلة، بل تتجاهل تمامًا الدعوات للضغط على إسرائيل.

الأسوأ أن الموفد الأميركي توم باراك لم يتردد في التلويح بإسقاط حلم “لبنان النهائي”، مقترحًا دمجه بسوريا تحت نظام حكم جديد. في بيروت، يوزع باراك وعودًا على كافة الأطراف، يقول لكل منهم ما يحب سماعه، ثم يقدّم جداول زمنية صارمة لنزع سلاح المقاومة، دون الاستجابة لأي من المطالب الوطنية المحقة.

سوريا: من الانفتاح إلى العودة للعقوبات
في سوريا، بدت التحولات الأميركية مثيرة للارتباك، حتى لأقرب حلفائها. بدأت واشنطن بالتقارب مع النظام، مرورًا برفع العقوبات وتقديم إشارات ترحيب، لكنها عادت سريعًا للتلويح بـ”قانون قيصر” وممارسة الضغط بهدف جرّ النظام نحو شروط التطبيع مع إسرائيل، بما في ذلك الاعتراف باحتلالها لأراضٍ سورية قديمة وحديثة.

الحديث عن وحدة سوريا وسيادتها لم يكن إلا غطاءً مؤقتًا لتهدئة الحلفاء العرب والأتراك، فيما تعمل واشنطن الآن على تشجيع مشاريع انفصالية، مثل الفيدرالية في مناطق الأقليات، وفصل محافظات الجنوب، وربما دعم كيان مستقل في الساحل أو الشمال الشرقي. الهدف الأساسي: ضمان أمن إسرائيل، والحد من نفوذ إيران وحزب الله.

إيران: تكرار اللعبة نفسها
إيران كانت ولا تزال ساحة خصبة لـ”لعبة الخداع” الأميركية. فقبل الجولة السادسة من مفاوضات مسقط، شاركت واشنطن في ضربات جوية ضدها بالتنسيق مع إسرائيل. واليوم، تكرر الأسلوب ذاته: تكذب حين تزعم أن طهران تتوسل الحوار، وتكذب حين تدعي عدم نيتها تغيير النظام. الحقيقة الوحيدة هي تهديد بايدن المتكرر باستهداف منشآت إيران الاستراتيجية، تنفيذًا لمصلحة إسرائيل العليا، كما أكد نتنياهو مرارًا.

واشنطن لا تقدم أي تصور حقيقي لمستقبل إيران، بل تترك الملف مفتوحًا أمام كل الاحتمالات: من دعم انفصال داخلي، إلى استئناف الحرب، أو حتى العمل على تقسيم الدولة.

استراتيجية “النهايات المفتوحة”
لا تقدم واشنطن حلولًا لأي من أزمات الشرق الأوسط. بل تعتمد نهجًا واضحًا لإدارة هذه الأزمات من خلال ترك “نهاياتها مفتوحة”، دون اتفاقات نهائية، أو حلول جذرية، أو حتى نوايا صادقة. ومن أجل تطبيق هذه الاستراتيجية، تستمر في استخدام الأكاذيب، الضغط، والتحالف مع “أزعر الحي”، الذي تسلّحه وتدعمه، لتنفيذ مخططاتها عبر القوة العسكرية وليس الحلول الدبلوماسية.

Ahmad Al-Khatib
Ahmad Al-Khatib
أحمد الحاتب — صحفي ومحلل يتمتع بخبرة تزيد عن 12 عامًا، عمل مع كبرى وسائل الإعلام في الأردن والعالم. يتخصص في التحليل والتغطية الصحفية والتحقيقات في مجالات الأخبار والثقافة والاقتصاد والتكنولوجيا، مما يعزز مكانة موقع jonews24.
مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شعبية

التعليقات الأخيرة