رغم مرور أكثر من خمسة آلاف عام على أول فنجان شاي في الصين القديمة، إلا أن هذا التقليد لا يزال حياً، يُجدد يوميًا من بكين إلى القاهرة، وصولاً إلى لندن، مروراً بمحطات عالمية أضفت نكهات وابتكارات مذهلة على هذا المشروب العريق.
الصين: مهد الشاي وموطن أغرب أنواعه
في الصين، مهد الشاي، لا يُنظر إلى تحضيره على أنه أمر عادي، بل هو طقس فني يسمى «كونغ فو تشا»، يعتمد على أوراق الشاي النقية ويُقدّم في أوانٍ تقليدية. في جبال فينغ هوانغ، تُستخدم نبتات شاي “أولونغ” التي يعود عمر بعضها إلى 700 عام.
ليس من الغريب أن يصل سعر بعض أنواع الشاي إلى أرقام خيالية. فعام 2002، اشترى رجل ثري 20 غراماً من شاي «دا هونغ باو» مقابل 28 ألف دولار، ما يعني أن الكيلوغرام يتجاوز 1.4 مليون دولار.
الشاي الصيني يتميز بالعراقة وطرق التعتيق. شاي «بويريه» في يونان، مثلًا، يصنع من أشجار يتجاوز عمرها الألف عام، ويبلغ سعر الكيلو منه أحيانًا 10 آلاف دولار.
ومن أغرب أنواع الشاي الصيني، شاي «باندا دونغ» الذي يُزرع باستخدام براز دب الباندا كسماد طبيعي، ويُباع الكيلوغرام منه مقابل 70 ألف دولار. أما شاي «الحشرات»، فيُصنع من براز حشرات تتغذى على أوراق الشاي، ويشتهر بفوائده الصحية العديدة، مثل تقليل السكر والدهون وضغط الدم.
تايوان: شاي بالجبنة والفقاعات
في تايوان، ظهرت نكهات غير مألوفة. من بينها شاي «نايغاي تشا» الذي يُغطى بطبقة من الجبنة المخفوقة والمالحة، مما يمنحه مذاقًا يجمع بين الحلو والمالح. وقد انتشرت هذه الموضة في الصين وأستراليا وبريطانيا.
ومن الابتكارات الأخرى، شاي “بوبا” أو “شاي الفقاعات”، وهو مزيج من الشاي والحليب وعصير الفاكهة مع كريات التابيوكا المطاطية، وابتُكر لأول مرة عام 1980.
التيبت: شاي بزبدة الياك
في المرتفعات التيبتية، لا يُشرب الشاي وحده، بل يُضاف إليه الزبدة والملح ليصبح «بو تشا»، مشروبًا غنيًا بالطاقة يحمي السكان من البرد. يُصنع من أوراق شاي سوداء تُنقع لساعات، ثم يُمزج بالمكونات داخل وعاء خشبي، وغالبًا ما يُستخرج الحليب والزبدة من حيوان الياك.
تايلاند: شاي أزرق وبنفسجي
في تايلاند، يقدَّم الشاي بلون أزرق زاهٍ، ويُصنع من زهرة بازلاء الفراشة الزرقاء. وعند إضافة عصير الليمون إليه، يتحول لونه إلى البنفسجي، مع نكهة خفيفة تشبه الأزهار.
اليابان: الماتشا وطقوس الشاي المقدسة
في اليابان، الشاي أكثر من مجرد مشروب؛ إنه طقس ثقافي وروحي. يقدم الشاي الأخضر مجاناً في المطاعم، وتُقام له احتفالية تُعرف بـ«شادو» تتضمن طقوساً دقيقة تجسد كرم الضيافة اليابانية. يجلس الضيوف على بساط التاتامي، ويُسكب الشاي في أجواء هادئة تستمر لساعات.
واليابان أيضًا هي مهد الماتشا، مسحوق الشاي الأخضر الذي يُخلط بالماء الساخن ويُقدَّم مع حلوى «واغاشي» التقليدية.
العالم العربي: الشاي جزء من الهوية
في مصر، يُعتبر الشاي المشروب الوطني، ويتنوع بين “الكشري” الخفيف و”الصعيدي” القوي. وفي المغرب، يتم تقديم الشاي بالنعناع بطريقة احتفالية، تُسكب من ارتفاع يرمز إلى احترام الضيف.
أما في تركيا، فهي من أكبر منتجي الشاي عالميًا، وتُعد ضمن أكثر الدول استهلاكًا له، إلى جانب بريطانيا التي يستهلك مواطنوها نحو كيلوغرامين من الشاي سنويًا.