الثلاثاء, أكتوبر 7, 2025
الرئيسيةالتكنولوجيافلكيّون أردنيون يوثّقون أدق صورة لسديم الدمبل بعد 13 ساعة رصد

فلكيّون أردنيون يوثّقون أدق صورة لسديم الدمبل بعد 13 ساعة رصد

استطاع فريق من الفلكيين وهواة الرصد في الأردن، وباستخدام تلسكوبات ذكية ومحوسبة وبسيطة موزّعة في الأردن والإمارات وقطر والولايات المتحدة، تصوير سديم الدمبل (Messier 27 – NGC 6853) بتعريض إجمالي بلغ 13 ساعة و4 دقائق و30 ثانية. وقد جُمعت البيانات عبر 4707 إطارًا متتابعًا بطول تعريض 10 ثوانٍ لكل صورة.

وضمّ الفريق المنفّذ للرصد: أنس عودة، ومكثم أبو علان، وهيثم حمدي، وعمار السكجي. وتولّى هيثم حمدي معالجة آلاف اللقطات الفلكية على مدى نحو 10 ساعات، ما أفضى إلى إنتاج صورة عالية الدقة والعمق لهذا السديم الكوكبي، كاشفةً عن تفاصيل دقيقة أبرزها الهالات الخارجية الخافتة والعُقَد الغازية الصغيرة في بنيته المركزية.

قال عمار السكجي رئيس الجمعية الفلكية الأردنية إن أهمية ما أُنجز تكمن في كونه دليلًا واضحًا على قدرة الفلكيين الأردنيين على الإسهام الفعّال في إنتاج بيانات فلكية ذات قيمة علمية وجمالية، وأن التعاون في علم الفلك أصبح حاجة علمية وثقافية ملحّة، ولا سيما مع تحديات التلوّث الضوئي والحاجة إلى تراكم البيانات من أكثر من موقع جغرافي.

أوضح السكجي أن سديم الدمبل يعدّ من أشهر السُّدم الكوكبية وأكثرها دراسة، ويمثّل نموذجًا مثاليًا لفهم مصير النجوم متوسطة الكتلة مثل الشمس. فعندما ينفد وقود النجم الأصلي ينهار قلبه إلى قزم أبيض فائق السخونة تتجاوز حرارته 85 ألف كلفن، فيما تُقذف طبقاته الخارجية مكوِّنة سحابة غازية متوهّجة تُضيئها الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن القزم الأبيض فتؤيّن ذراتها.

“عندما تعود الإلكترونات إلى مداراتها تنبعث خطوط انبعاث مميزة تجعل السديم يتألق بالألوان التي نعرفها: الأحمر الناتج عن الهيدروجين، والأزرق المائل إلى الأخضر الناتج عن الأكسجين المزدوج التأيّن، والأحمر الداكن الناتج عن النيتروجين”،

وبيّن أن العمليات الفيزيائية السابقة تجعل من سديم الدمبل مرجعًا أساسيًا في دراسة فيزياء البلازما الكونية. وعلى الصعيد الرصدي، يبعد السديم عن الأرض نحو 1360 سنة ضوئية (أي قرابة 13 مليون مليار كيلومتر)، ويشغل في القبة السماوية مساحة تقارب 8 دقائق قوسيّة، بينما يُقدّر قطره الحقيقي بين 2 و2.5 سنة ضوئية، مع سرعة تمدّد تقارب 25 كم/ث.

وتشير هذه المعطيات إلى أن عمر السديم لا يتجاوز 10 آلاف سنة، وهو زمن قصير مقارنة بعمر المجرة والنجوم. كما تتراوح درجة حرارة الغاز بين 8000 و12000 كلفن، وتبلغ الكثافة الإلكترونية مئات الإلكترونات في السنتيمتر المكعّب، وهي كثافة منخفضة لكنها كافية لإنتاج انبعاثات قوية وواضحة.

وأكّد السكجي أن البنية الداخلية أكثر تعقيدًا مما يوحي به شكل السديم «الدُمبلي»؛ إذ يهيمن في النواة المركزية انبعاث [O III]، وتمتد فصوص ثنائية القطب نتيجة تفاعل رياح سريعة من النجم المركزي مع رياح أبطأ سابقة. وينتج عن هذا التفاعل صدمات متداخلة تُسرِّع الغاز وتنحت الفصوص بملامحها المميّزة. وعلى الأطراف تظهر هالات خافتة هي بقايا قذائف غازية طُردت في مراحل مختلفة، فيما تحيط بالسديم أعداد كبيرة من العُقَد والخيوط الغازية الأكثر كثافة وبرودة نسبيًا.

وربط السكجي هذه التركيبات بظواهر اللااستقرار الهيدروديناميكي واحتمال وجود حقول مغناطيسية تنظّم حركة الغاز. كما تُظهر صور الأشعة تحت الحمراء المنشورة في دراسات متعدّدة مناطق غبارية وبقايا جزيئات H₂، ما يدل على أن السديم ليس غازًا مؤيّنًا فحسب، بل يحتوي كذلك على مكوّنات باردة وجزيئية من تاريخ النجم.

وأضاف أن دروس سديم الدمبل تتجاوز فيزياء تطوّر النجوم إلى دورة المادة في المجرة؛ فحين تنثر النجوم المتوسطة كتلتها في الفضاء، فإنها تُغني الوسط بين النجمي بعناصر ثقيلة كـالكربون والنيتروجين والأكسجين—وهي اللبنات الأساسية للكواكب والحياة. وهكذا يتحوّل موت نجم إلى عملية إخصاب كوني تمهّد لولادة أجيال جديدة من النجوم، ما يجعل السُّدم الكوكبية مثل M27 محورًا في فهم تطوّر المجرّات والفيزياء الكونية.

“لم يكن سديم الدمبل دائمًا بهذا الوضوح في السابق، فقد اكتُشف لأول مرة في القرن الثامن عشر واعتبر لغزًا لعلماء الفلك، إذ لم يكن مفهوم السُدم الكوكبية قد تطور بعد، وليام هيرشل وصفه ضمن فئة غريبة من الأجرام الضبابية، وأنجلو سيكي في القرن التاسع عشر اعتبره نموذجًا لأجسام غازية، ومع تطور أدوات الرصد في القرن العشرين، وخاصة بعد إدخال التحليل الطيفي والكاميرات الرقمية، بدأ العلماء يدركون حقيقة بنيته، وفي عام 2000 صُوِّر في مرصد كِت بيك باستخدام تلسكوب 2.1 متر ضمن برنامج بحثي مدعوم من المؤسسة الوطنية للعلوم الأميركية، وكانت الصورة المرجعية آنذاك أظهرت بوضوح الهالات الخارجية الباهتة.”

“في العقود الأخيرة، أتاحت التلسكوبات الفضائية مثل هابل وسبتزر رؤية أدق، حيث أظهرت تفاصيل العقد والخيوط في قلب السديم، وكشفت الأشعة تحت الحمراء عن الغبار البارد والجزيئات التي لم يكن ممكناً رصدها في الضوء المرئي”.

وأشار السكجي إلى أن الصورة الحديثة نتاج جمع آلاف التعريضات القصيرة من مواقع متعددة في الأردن والإمارات وقطر والولايات المتحدة ثم دمجها في لوحة عميقة واحدة. ويتيح هذا الأسلوب تجاوز التلوّث الضوئي والظروف الجوية المحلية، ويبرز قيمة التعاون العابر للحدود، مؤكّدًا أن إنجاز الصورة يُظهر أن إنتاج أعمال علمية مرجعية لم يعد حكرًا على المراصد العملاقة، بل يمكن للهواة والباحثين تحقيقه باستخدام معدات متقدّمة وبرمجيات معالجة احترافية.

واعتبر أن سديم الدمبل يمنح درسًا علميًا وفلسفيًا في آن؛ فهو يبيّن أن النجوم ليست أبدية وأن نهاياتها تمهّد لبدايات جديدة. ومن منظور معرفي وثقافي، يذكّر بأن السماء متاحة لكل طالب علم، وأن التقدّم العلمي بلا حدود، وأن للعلماء العرب قدرة على الإسهام المباشر في كشف أسرار الكون.

وختم السكجي بأن التمعّن في صورة سديم الدمبل يقود إلى مشهد يتجاوز الجمال البصري إلى كونه وثيقة حيّة عن مصير الشمس والنجوم المشابهة، ومختبرًا مفتوحًا لفهم كيف يعيد الكون ترتيب مادته. وإذا كان السديم قد أدهش الأجيال السابقة بغموضه، فإنه اليوم يُدهشنا مرتين: مرّة بما يكشفه من أسرار علمية عميقة، ومرّة بما يلهمه من تعاون إنساني مشترك بين شعوب ودول متباعدة؛ إذ لا يقدّم العلم أرقامًا وبيانات فحسب، بل يروي قصة كونية عن الإنسان والكون وعلاقتهما الأزلية بالنظر إلى السماء والبحث عن مكاننا فيها.

Ahmad Al-Khatib
Ahmad Al-Khatib
أحمد الحاتب — صحفي ومحلل يتمتع بخبرة تزيد عن 12 عامًا، عمل مع كبرى وسائل الإعلام في الأردن والعالم. يتخصص في التحليل والتغطية الصحفية والتحقيقات في مجالات الأخبار والثقافة والاقتصاد والتكنولوجيا، مما يعزز مكانة موقع jonews24.
مقالات ذات صلة

الأكثر شعبية

التعليقات الأخيرة