في سياق يعكس تحولات جذرية في مفاهيم الغنى والتأثير خلال العصر الحديث، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تحليلًا مفصلًا اعتمد على إحصاءات شركة التحليل المالي “ألتراتا”، يكشف عن ارتفاع هائل في الثروات الشخصية الضخمة عالميًا.
سجلت ثروات المليارديرات عالميًا قفزة إلى 13.4 تريليون دولار أمريكي بنهاية عام 2024، بارتفاع سنوي يبلغ 10.3% عن العام السابق، مسجلةً أعلى رقم في سجلات المتابعة. ويُعزى هذا الارتفاع إلى الازدهار في أسواق الأوراق المالية العالمية، إلى جانب الانتعاش في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، اللذين أعادَا تشكيل توزيع الثروة بطريقة حادة وغير متوازنة.
الولايات المتحدة في الصدارة
يبرز التحليل أن إجمالي المليارديرات العالميين وصل إلى 3508 أفرادًا، منهم 1135 أمريكيًا، أي حوالي ثلث العدد الكلي، بثروة إجمالية تصل إلى 5.7 تريليون دولار، تمثل 43% من كامل الثروة المليارديرية حول الكرة الأرضية. أما الصين، فحلت في المركز الثاني بـ321 مليارديرًا يحوزون 1.3 تريليون دولار، أي 10% فقط من الإجمالي العالمي.
وفي أوروبا، عبر عدد المليارديرات عتبة الألف لأول مرة منذ بدء التسجيل قبل أكثر من عشر سنوات.
الذكاء الاصطناعي يعمق التفاوت
أكدت الصحيفة أن الانتعاش في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي دفع ثروات كبار الأثرياء الأمريكيين إلى الضعف، خاصة إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وجيف بيزوس، مدعومًا بمكاسب هائلة في بورصات الأسهم. وأظهر التقرير أن قطاع التكنولوجيا قاد نمو الثروات بنسبة 198% بين 2015 و2025، يليه قطاع الضيافة والترفيه بنسبة 146%، ثم الرعاية الصحية بنسبة 75% والمالي بنسبة 74%. بينما كان قطاع العقارات الأضعف أداءً بنمو أقل من 37% في الفترة نفسها، مما يعكس إعادة توجيه الاقتصاد نحو العالم الرقمي.
تقدم أوروبي وتراجع صيني
لأول مرة منذ عقد من الزمن، تجاوز عدد المليارديرات الأوروبيين الألف، حسب “ألتراتا”، وشملت القائمة شخصيات بارزة مثل برنار أرنو، المدير التنفيذي لـ”إل في إم إتش” الفرنسية بثروة 236.4 مليار دولار، ودييتر شفارتز صاحب سلسلة ليدل الألمانية بـ45.9 مليار دولار.
أما في آسيا، فقد انخفض التمثيل بعد خروج بعض الأسماء الكبرى في الصين وهونغ كونغ من التصنيف، رغم بقاء أفراد مثل تشونغ شانشان، مؤسس نونغفو سبرينغ للمياه المعبأة بـ79.9 مليار دولار، وبوني ما، المدير التنفيذي لتينسنت بـ71.5 مليار دولار.
عتبة الثراء الجديدة وإشارات اجتماعية مثيرة للقلق
كشف التقرير أن الحد الأدنى للانضمام إلى قائمة المليارديرات ارتفع إلى 4.2 مليار دولار، بينما انخفض معدل الخروج منها إلى 3.4% في 2024، وهو الأقل منذ 2022، مع استبعاد شخصيات مثل الملك تشارلز الثالث بثروة تقدر بـ770 مليون دولار فقط، غير كافية للدخول.
ويحذر الخبراء الاقتصاديون من أن هذه الأرقام تكشف عن اتساع الفجوة بين النخبة الثرية وباقي الطبقات الاجتماعية، حيث تتركز الثروة في أيدي حفنة قليلة، بينما تعاني الاقتصادات الناشئة من تباطؤ النمو وانخفاض العدالة في توزيع الدخل.
تظل أمريكا الشمالية المركز الرئيسي لتراكم الثروات، تليها أوروبا، في حين تفقد آسيا مكانتها التنافسية أمام التحولات الاقتصادية العالمية. ويعتقد المحللون أن انتشار الذكاء الاصطناعي سيفاقم هذا التفاوت مستقبلًا، مع تركيز القوة الاقتصادية في الشركات التكنولوجية العملاقة التي تخلق الثروة وتحتكرها معًا.
