أؤكد خبراء قطاع تكنولوجيا المعلومات أن تحقيق الأردن المركز الثالث عربيًا والـ29 عالميًا في مؤشر انتشار الذكاء الاصطناعي بين الفئة العاملة، يعكس نموًا ملحوظًا في الوعي الرقمي داخل المملكة وتبنيًا واسعًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي على مستوى الأفراد والمؤسسات.
وأوضحوا أن هذا الإنجاز ليس مجرد رقم إحصائي، بل دليل حاسم على التحول الفعلي في الثقافة الرقمية وسلوكيات القوى العاملة الأردنية.
وأفادوا بأن التقدم في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل بيئة العمل يبرز زيادة الوعي لدى المؤسسات والأفراد بضرورة مواكبة التغييرات الرقمية العالمية، خاصة مع التسارع الهائل في أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي ومعالجة البيانات الكبيرة.
وفقًا لتقرير “انتشار الذكاء الاصطناعي” الصادر عن معهد اقتصاد الذكاء الاصطناعي التابع لمايكروسوفت، حصل الأردن على المرتبة الثالثة عربيًا والـ29 عالميًا بنسبة 25.4% في استخدام الذكاء الاصطناعي بين السكان في سن العمل.
وأكد المهندس هيثم الرواجبة، ممثل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غرفة تجارة الأردن، أن هذا التصنيف يُظْهِرُ الجهود الوطنية في التعليم الرقمي والتدريب وتشجيع ريادة الأعمال التكنولوجية.
وأبرز أن الاستثمارات في البنية الرقمية، وتوسيع تغطية الإنترنت، والخدمات السحابية، إلى جانب دعم الحكومة لبرامج التحول الرقمي وإطلاق مبادرات وطنية في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة، بالإضافة إلى تفوق الكفاءات الشابة الأردنية في مواكبة التطورات، ونشاط الشركات المحلية والإقليمية في البرمجة والبيانات والرقمنة، ساهمت في تعزيز الاستخدام العملي للذكاء الاصطناعي داخل المؤسسات.
وشدد الرواجبة على أهمية إطلاق برامج تدريبية مستمرة بالمهارات الرقمية المتقدمة، وصياغة تشريعات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق التوازن بين الابتكار وحماية الخصوصية والأمن السيبراني، وزيادة الاستثمارات في البحث والتطوير محليًا، مع تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتوسيع تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحكومة والتعليم والصحة والاقتصاد.
وأضاف أن هذه النتيجة دافع قوي لاستكمال بناء بيئة وطنية متكاملة تدعم الابتكار وتُعَزِّزُ مكانة الأردن كمركز إقليمي لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
من جانبه، أكد الاستشاري التقني الاستراتيجي هاني البطش أن التقدم إلى هذه المراتب يُشِيرُ إلى التحول الجذري في الثقافة الرقمية وسلوكيات القوى العاملة، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مقتصرًا على المتخصصين، بل أصبح أداة يومية للمواطنين والموظفين والطلاب في التعليم والإنتاج واتخاذ القرارات.
وتابع أن هذه النتيجة إيجابية واستراتيجية، تُؤَكِّدُ انتقال الأردن من مرحلة “التبني التكنولوجي” إلى مرحلة “الاستيعاب والاستخدام الإنتاجي”، وهي الخطوة الأولى لبناء اقتصاد المعرفة الذكي.
وأوضح أن العوامل الرئيسية لهذا التقدم تشمل: التحول الرقمي الحكومي عبر خدمات مثل “سند” التي عززت تفاعل المواطنين مع الأنظمة الذكية، وانتشار أدوات الذكاء الاصطناعي بين الشباب والطلاب والمهنيين في التعليم والإعلام والبرمجة، وبيئة التعليم والتدريب من خلال دمج مفاهيم الذكاء الاصطناعي في الجامعات وتوسيع الدورات الرقمية، والوعي المجتمعي والتفاعل الإعلامي الذي أثار الفضول والتحفيز للتجربة، والاستقرار التقني مع بنية تحتية رقمية تشمل إنترنت عالي السرعة وخدمات الحوسبة السحابية.
وشدد البطش على ضرورة تحويل هذا التقدم إلى ريادة عربية عبر برنامج وطني للذكاء الاصطناعي يركز على: التعليم والتأهيل، إنشاء حاضنات للبرمجيات والنماذج العربية، ودمج الذكاء الاصطناعي في صنع القرار والسياسات الحكومية.
بدوره، قال الدكتور شحادة القريني، أستاذ مشارك في كلية الذكاء الاصطناعي بجامعة البلقاء التطبيقية، إن البنية الرقمية القوية واللوجستيات الداعمة، إلى جانب الاستثمارات المتزايدة في التعليم والتدريب، ووجود كوادر بشرية مؤهلة ومواكبة لتطورات الذكاء الاصطناعي وقادرة على استخدام أدواته بكفاءة، ساهمت في هذا الإنجاز التكنولوجي.
وأكد أن الحفاظ على التقدم يتطلب استمرار الاستثمار، ومواكبة التطورات، وتعزيز البحث والابتكار في المؤسسات الأكاديمية، مع التعامل الواعي مع التحديات الأخلاقية والاجتماعية لضمان الاستدامة.
من جانبه، أوضح خبير الاتصال المؤسسي وتوظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام إبراهيم الهندي، أن هذا التقدم يُظْهِرُ استعداد الأردن للدخول بقوة في سباق الابتكار والتحول الرقمي نحو تكنولوجيا المستقبل، مشيدًا بجهود سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، في دعم هذا المسار.
وقال إن الأولوية في المرحلة القادمة هي تحويل الذكاء الاصطناعي من أداة فردية إلى قيمة مؤسسية متأصلة في بيئة العمل، مما يتطلب التركيز على: تعزيز البنية الرقمية، الاستثمار في تدريب الكوادر، وتصميم تطبيقات عملية في المؤسسات والقطاعات الإنتاجية والخدمية.
وأكد أن الذكاء الاصطناعي أصبح منهج عمل يحدد القدرة التنافسية، ويمتد استخدامه في الشركات من تحسين التسويق عبر الاستهداف الدقيق وتحليل سلوك العملاء، إلى تطوير خدمة العملاء بالردود الذكية، وإدارة الطلبات، ورفع كفاءة العمليات بأتمتة المهام وتقليل الأخطاء، وتحسين اتخاذ القرار عبر تحليل البيانات الكبيرة والتنبؤات.
ولفت إلى أن دمج هذه التقنيات يسرع الإنجازات، يخفض التكاليف، ويحسن الجودة، حيث تُشِيرُ التقارير العالمية إلى أن الذكاء الاصطناعي سيُؤَتْمِتُ 20-30% من المهام الإدارية والتحليلية بحلول 2030.
ونوه الهندي بأن الشركات التي ترى الذكاء الاصطناعي شريكًا داعمًا لا بديلًا للعمالة ستحرر موظفيها للمهام الإبداعية والاستراتيجية، مما يمنحها ميزة تنافسية، مؤكدًا أن المبادرة اليوم تضمن الريادة غدًا.
ورأى أن التحدي الأكبر ليس توافر الأدوات، بل استخدامها بذكاء وتأهيل الفرق لتحقيق نمو وإنتاجية، مشيرًا إلى أن الانتقال من “الاستهلاك التكنولوجي” إلى “صناعة الحلول محليًا” سيمنح الشركات الأردنية تفوقًا إقليميًا حقيقيًا.
