هناك فرضيتان يجب أن يتخلى عنهما كل من يفكر بوعي ومسؤولية:
الاعتقاد بأن إسرائيل تسعى فعلًا للسلام مع العرب، حتى وفق معادلة “سلام مقابل سلام” المرفوضة.
الظن أن الولايات المتحدة وإسرائيل تختلفان في مواقفهما أو أولوياتهما بشكل يمكن الاعتماد عليه للحد من سياسات إحداهما عبر الأخرى.
الأحداث التي شهدتها المنطقة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مرورًا بغزة ولبنان، وصولًا إلى حرب الأيام الاثني عشر على إيران واستباحة سوريا، كشفت زيف هاتين الفرضيتين، وأكدت أن البلدين يتحركان وفق إستراتيجية مشتركة.
الانفتاح الأمريكي على دمشق
أظهرت واشنطن في الفترة الأخيرة اندفاعًا غير متوقع باتجاه النظام الانتقالي في دمشق، حيث أثنى الرئيس الأمريكي على الرئيس السوري أحمد الشرع، ورفعت الإدارة الأمريكية العقوبات عن سوريا وعن “هيئة تحرير الشام”، في خطوة لم تُمنح حتى لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو.
توسّع المبعوث الأمريكي توماس باراك في الحديث عن “سايكس-بيكو” وإحياء فكرة “بلاد الشام”، ملمحًا إلى إعادة رسم خرائط المنطقة إذا لم يتم نزع سلاح حزب الله، في إشارة إلى تمكين “سوريا الجديدة” لتكون مركزًا في إستراتيجية الشرق الأوسط الجديد.
وهم الخلاف بين واشنطن وتل أبيب
بدا للحظة أن واشنطن نجحت في كبح تل أبيب ودفعها إلى مقاربة جديدة تجاه دمشق، إلا أن التطورات الأخيرة أكدت أن إسرائيل لم تتخل عن خطتها لتفتيت سوريا، والسيطرة على أراضيها ومواردها، واستخدام أي حادثة كذريعة لإعادة تفعيل هذه المخططات، كما حدث في السويداء.
إسرائيل التي رفضت “الأرض مقابل السلام” تتمسك اليوم بمعادلة أكثر قسوة: “السلام مقابل الاستسلام”، إذ لم تجدِ رسائل حسن النية من القيادة السورية الجديدة أي نفع أمام حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة.
الدور الأمريكي في العدوان
فيما كانت إسرائيل تدمر مواقع سيادية في قلب دمشق، لم يصدر عن واشنطن أي إدانة أو حتى تصريح فارغ المضمون، بل اكتفت بحديث عن “التفاهمات” و”وقف إطلاق النار”، كما فعلت سابقًا في غزة خلال عامين من القصف والحصار والإبادة.
تصريحات باراك الأخيرة حول “سايكس-بيكو” أوضحت أن واشنطن تتبنى نهجًا يهدف إلى إعادة تقسيم المنطقة على أسس طائفية وعرقية، في خدمة المشروع الصهيوني.
إستراتيجية مشتركة
واشنطن ترى في إسرائيل “جرافة دي-9” التي تهيئ الأرض لمشاريعها الإستراتيجية، ولا صحة لوجود خلافات حقيقية بين نتنياهو والإدارة الأمريكية، بل هناك توزيع واضح للأدوار: إسرائيل تمارس القوة المفرطة والبلطجة، فيما تسعى واشنطن إلى جني المكاسب عبر الدبلوماسية والعقوبات.
حروب وهدنات متكررة
بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، فإن إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد يتطلب سلسلة من الحروب والاتفاقات المؤقتة التي تُخرق لاحقًا. هكذا حدث في غزة عبر ويتكوف، وفي لبنان عبر هوكشتاين، حيث تم التوصل إلى اتفاقات سرعان ما انتهكتها تل أبيب بدعم أمريكي كامل.
ومع أي مواجهة جديدة، سواء مع إيران أو غيرها، ستعود واشنطن لتبرير أفعال إسرائيل بحجة “حقها في الدفاع عن نفسها”، وستستمر الدائرة بين عدوان، وهدنة، وانتهاك، دون أي تغيير جوهري.
