لم تعد قضايا المخدرات في الأردن أحداثًا متفرقة، بل باتت أرقامها ترسم منحنىً صاعدًا عامًا بعد عام. فبحسب التقرير الجنائي لعام 2024 الصادر عن مديرية الأمن العام سُجِّلت 25,260 قضية، مقابل 22,956 قضية في 2023—أي زيادة تقارب 10%. وهذه القفزة ليست مفاجِئة بالنظر إلى مسار العقدين الماضيين؛ إذ تضاعفت القضايا المضبوطة أكثر من 20 مرة منذ عام 2000 حين لم تتجاوز نحو ألف قضية.
مسار تاريخي متسارع
- في 2013 رُصدت 7,713 قضية، ثم قفزت إلى 19,500 قضية في 2019.
- رافق ذلك نموٌّ كبير في الكميات المضبوطة: من 112 كغم حشيش في 1999 إلى أكثر من 7,300 كغم في 2014، فيما تجاوزت الحبوب المخدّرة 42 مليون حبة خلال الفترة نفسها.
- تعكس هذه المؤشرات انتقال المملكة من مرحلة «الحالات الفردية» إلى ضغطٍ ميدانيٍّ مُعقّد.
أين يتركز التصاعد؟
- قضايا الاتجار تضاعفت تقريبًا خلال خمس سنوات: من 3,937 (عام 2020) إلى 7,762 (عام 2024).
- الحيازة والتعاطي بلغت 17,498 قضية في 2024.
- ارتفع المعدل الوطني إلى 22 قضية لكل 10 آلاف نسمة—وهو الأعلى في نصف عقد.
- مناطق تتجاوز المعدل الوطني: العقبة (49)، البادية الوسطى (42) لكل 10 آلاف نسمة.
الانتشار الاجتماعي وأنماط جديدة
لا يقتصر الحضور على المدن الكبرى؛ فقد امتد إلى القرى والأرياف والجامعات والمدارس، مع رصد تزايدٍ ملحوظ في قضايا الإناث المرتبطة بالتعاطي والترويج. ورغم ذلك، يُصرّ بعض المسؤولين على وصف الأردن بأنه مجرد «دولة عبور»؛ غير أن الأرقام والمشاهدات اليومية توحي بأن الظاهرة أعمق وأكثر تجذّرًا.
لماذا تتفاقم الظاهرة؟
- عوامل إقليمية: تماس مباشر مع شبكات تهريب عابرة للحدود وتنامي إنتاج الكبتاجون في دول مجاورة.
- عوامل محلية: بطالة واتّساع أوقات الفراغ لدى الشباب عزّزا الطلب الداخلي.
- تحسّن الضبط: تطوير آليات إدارة مكافحة المخدرات ورفع كفاءة الرصد أوصلا نسبة الكشف والإغلاق إلى أكثر من 99% من قضايا 2024؛ ما يعني أن جزءًا من ارتفاع الأرقام يعود لتطوّر قدرات الضبط لا لازدياد السوق غير المشروع فقط.
تشريعٌ تحت المجهر
أثارت تعديلات قانون المخدرات والمؤثرات العقلية جدلًا؛ إذ يراها البعض تخفيفًا غير مبرر في وقت يستلزم تشديد الردع. وتعكس مؤشرات التكفيل والعقوبات فجوةً تشريعيةً:
- نحو 35% من الموقوفين يُكفّلُون خلال أقل من شهر.
- فقط 15–20% يقضون مددًا تتجاوز عامًا في مراكز الإصلاح.
هذه المعطيات تُضعِف أثر الجهد الأمني وتستدعي مراجعة العقوبات وتوسيع صلاحيات إجراءات الضبط.
واقع عالمي وضغط محلي متزايد
يشير تقرير المخدرات العالمي (UNODC) إلى أن نحو 366 مليون شخص تعاطوا المخدرات في 2024 (قرابة 6% من البالغين)، مع توقعات استمرار الزيادة حتى 2030. ورغم تصنيف الأردن تقليديًا كـدولة عبور، فإن فجوة التعاطي آخذةٌ في التضاؤل مع تصاعد الطلب الداخلي إلى جانب تحدّي التهريب.
أشكال مستحدثة للجريمة
خلال الأعوام القليلة الماضية ظهرت أنماط زراعة وتصنيع محلية لبعض المواد، ما أدخل أصنافًا جديدة لم تكن معروفة أو مُجرّمة سابقًا—وهو ما حاولت التعديلات الأخيرة معالجته.
ما العمل؟
حماية المجتمع من المخدرات مسؤوليةٌ وحقٌ إنساني يرتبط بالصحة والحياة والعيش الآمن. المطلوب استراتيجية وطنية شاملة تجمع بين:
- وقاية مدرسية ومجتمعية موجهة للفئات الأكثر هشاشة.
- علاج وتأهيل موسَّعَين يسهل الوصول إليهما.
- تشديد تشريعي متوازن يُضعف الحوافز الإجرامية ويقلّل التكفيل السريع.
- تعاون إقليمي ودولي لتجفيف مصادر التهريب وتمويله.
فالأردن اليوم في معركتين متزامنتين: ضد شبكات التهريب، وضد العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تجعل بعض الشباب فريسةً سهلةً لتجارة مدمِّرة.
إنفوغرافيك — أبرز المؤشرات
- يوضح الرسم الأول مسار القضايا منذ 2000 حتى 2024.
- الرسم الثاني يقارن قضايا الاتجار بين 2020 و2024.
- الرسم الثالث يعرض معدّل القضايا لكل 10 آلاف نسمة (وطنيًا وبؤرًا مختارة).
تحميل الإنفوغرافيك 1
تحميل الإنفوغرافيك 2
تحميل الإنفوغرافيك 3