في ظل أزمة مائية تتفاقم عامًا بعد عام، يقف الأردن أمام أحد أكبر التحديات الوجودية في تاريخه الحديث. فمع اعتماد يتجاوز 90٪ على مصادر مائية محدودة، معظمها جوفية ومشتركة مع دول الجوار، وتراجع في معدلات الهطول المطري، وتزايد الطلب نتيجة النمو السكاني وتدفّقات اللجوء، باتت الحاجة إلى حلول جذرية ومستدامة ضرورة لا تحتمل التأجيل.
لكن الأردن ليس وحده في هذا المضمار؛ فالشرق الأوسط بأكمله يشهد إعادة رسم لخريطة أمنه المائي والطاقي، في ظل تغير المناخ وتصاعد التوترات الجيوسياسية.
إدارة غير تقليدية لأزمة متفاقمة
رغم محدودية الموارد المالية والطبيعية، يملك الأردن مقومات للعب دور محوري عبر:
بناء شراكات إقليمية ذكية.
تبني نماذج تمويل مرنة.
الاستثمار في التكنولوجيا المستدامة.
لم تعد أزمة المياه قابلة للإدارة بالوسائل التقليدية. وإذا لم تُستثمر التحولات الإقليمية في خلق حلول استراتيجية، فقد تتحول الندرة الحالية إلى أزمة وجودية دائمة.
تقرير “أي إنفست”: تحلية المياه والطاقة ركيزة الاستقرار المستقبلي
تقرير حديث صادر عن مؤسسة “أي إنفست” بعنوان “أسواق البنية التحتية للمياه الناشئة في الشرق الأوسط: الفرص الاستراتيجية في تحلية المياه والطاقة”، سلّط الضوء على أهمية المشاريع الكبرى التي تجمع بين تحلية المياه وتوليد الطاقة، بوصفها خيارًا استراتيجيًا لتحقيق الأمن المائي والاقتصادي في المنطقة.
وأشار التقرير إلى أن هذه المشاريع تشكل فرصة واعدة لدول مثل الأردن، رغم افتقاره إلى منفذ بحري واسع باستثناء خليج العقبة. ولفت إلى أن المملكة تدرس منذ سنوات مشاريع تحلية استراتيجية مثل مشروع الناقل الوطني، وتحلية مياه الخليج لنقلها إلى الشمال.
د. دريد محاسنة: التحلية ضرورة وطنية وليست خيارًا
أكد الخبير الدولي في قطاع المياه، د. دريد محاسنة، أن استخدام الطاقة المتجددة في مشاريع التحلية لم يعد مجرد توجه بيئي بل “ضرورة وطنية ملحّة”.
“التحلية باتت الوسيلة الوحيدة القادرة على توفير كميات المياه الكافية لنحو 11 مليون نسمة، في وقت لا تكفي فيه الموارد الحالية لأكثر من مليوني شخص فقط”، كما صرّح محاسنة لـ”الغد”.
وأضاف أن الاعتماد على بدائل تقليدية لم يعد مجديًا، وأن مشاريع التحلية تمثل الحل الوحيد لتلبية الطلب المتزايد.
كما أشار إلى أن التحلية باستخدام الطاقة المتجددة تسهم في:
خفض كلفة إنتاج المياه بشكل كبير.
تقليل الانبعاثات الكربونية.
تعزيز استدامة الموارد.
“لا يمكننا أن نلوّث الهواء ونسرّع التغير المناخي عبر استخدام الوقود الأحفوري في مشاريع يُفترض أن تكون صديقة للبيئة… الطاقة المتجددة يجب أن تكون الركيزة الأساسية لأي منظومة تحلية”، كما شدد.
وأوضح محاسنة أن جوهر التحدي يكمن في “أمن الموارد”، محذرًا من الاعتماد المستقبلي على مصادر خارجية، لما قد يحمله من أزمات سيادية واقتصادية.
البنية التحتية للمياه: أداة نفوذ دبلوماسي
رأى التقرير أن ندرة المياه لم تعد مسألة بيئية فحسب، بل تحوّلت إلى قضية أمن قومي واجتماعي، مشيرًا إلى أن مشاريع التحلية والسدود تُستخدم اليوم كأدوات دبلوماسية لبناء النفوذ وتوسيع العلاقات الاقتصادية.
وركز التقرير على فرص الاستثمار في:
تقنيات تحلية المياه، خاصة التناضح العكسي.
الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح).
شركات البنية التحتية ذات الكفاءة العالية في البيئات المعقدة.
لكنه أوصى بربط هذه الاستثمارات بشروط ضرورية:
حوكمة شفافة.
تمويل واضح ومحدد.
بناء قدرات وطنية مستدامة.
الأردن… الدولة الأفقر مائيًا عالميًا
يُصنّف الأردن كأفقر دولة مائيًا على مستوى العالم، ويواجه ضغوطًا متصاعدة نتيجة:
تغيّر المناخ.
ازدياد السكان.
موجات اللجوء المتكررة.
هذا الواقع يحتم على الدولة تبني استراتيجيات مبتكرة ومستدامة في إدارة الموارد المائية، والتركيز على مشاريع التحلية باستخدام الطاقة المتجددة كرافعة لتحقيق الأمن المائي دون المساس بالبيئة أو الاقتصاد.